قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)
ما أجلها من موعظة تزجر سحائب الغيث لتصب في القلوب ماءًا طهورًا، وتغمر متأملها سعادةً وسرورًا فمن أحسن من الله حديثا ومن أصدق منه قيلا.
إخواني انظروا وتأملوا ما في الدنيا مخلد، ولا في زخرفها ممجد، ولا أمان فيها من الموت لأحد.
دار إذا ما أضحكت في يومها أبكت زمانا يا لها من دار لا يسكن بعدها إلا من بنى بالخير قصرًا شامخًا هاديًا للساري وقد أحسن من قال:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها.
إننا لم نخلق سدى، ولم نترك هملا؛ فاليوم عمل وغدا حساب، واليوم فرصة وأمل وغدًا حسرة وندم، فأعدوا للسؤال جوابا، وللجواب صوابا، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واملأوا صحائف الأعمال بصالح الأقوال والأفعال، لا تغرنكم الحياة الدنيا فهي متاع الغرور، وظلها زائل ونعيمها فان، وهي كما قال علي رضي الله عنه: “تسر وتضر وتمر ليس لحي فيها بقاء، ولا لمحبها رخاء، تلهي وتعمي وتشغل وتهلك؛ فكم دقت ورقت واسترقت فضول الرزق أعناق الرجال فتزودوا منها بصالح ما تجدون، وامتطوا فيها صهوة جواد الخير، واركبوا سفن النجاة من الباقيات الصالحات، وكونوا ممن قيل فيهم:
إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتن
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا فكأني بمطايا الرحيل قد انيخت وبحادي القافلة يصيح ويقول: أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل لقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل
لقد أنذرتنا نذر الله وفي كل يوم نرى العجب من عاش مات، ومن مات في القبر بات، ولقي من الحسرات ما يتمنى له الرجوع، ويجد من ضيق اللحد ما تختلف بضمته الضلوع.
فلمثل هذا فاعدوا يا رجال الليل شدوا رب صوت لا يرد لا يقوم الليل إلا من له عزم وجد
فاللهم أعنا على الموت وشدته والقبر وظلمته واللحد وضمته والصراط.